اذكر قديما كم كنت اخاف من الوقوع في الحفر التي تملا ارض جدي في الريف..خاصة الارض الملاى باشجار الزيتون حيث كانت تحوي حفرا عميقة تمتلئ ماء في فصل الشتاء......كان شرط والدي لياخذنا الى هناك ان لا نذهب الى ذلك الجبل المليء بالحفر والابار ونحن طبعا كنا نعده ، وبمجرد نزولنا من السيارة وفي لحظات نكون على قمة الجبل نتسابق ولا يملك عندها الا ان يلحق بنا ويحاول اعادتنا الى السهل ....كنا جميعا نحب الصعود الى القمة والركض بين الابار المتناثرة وكاننا نتسابق في روضة ملأى بالورود الجورية فتمتلئ الارجاء بضحكاتنا وبصراخ والدي علينا ....
.......كان الجميع يحب ان يبرهن على قوته بالقفز من جهة البئر اليمنى الى اليسرى، والكل يصفق له عندما يقفز... لم اقفز يوما معهم.....كنت فقط اجلس على طرف البئر انظر الى الاعماق....... كنت احب ان ارى اعماق البئر الخاوية او حفنات الطين التي تملا الجدران المتشكلة بحرية دون ان يتدخل في تصميمها او تشويهها... لم اكن اعلم ما يشدني الى هذا المنظر بالذات... بل لم اكن افكر لم تشدني اشياء معينة دون غيرها، اما الان والان بالذات عرفت ماذا يعني لي البئر الخاوي وماذا تعني لي قمة الجبل...ز ولكن بقي ان اتخذ القرار: هل اظل على حافة البئر انتظر؟ ام ان علي ان اجرب ولو لمرة واحدة السقوط فيه؟
بل اين هي الاعماق؟ هل انا الان داخل البئر ام خارجه؟ اين هي حدود تلك البئر التي اهرب منها واخاف الوقوع فيها؟ هل ساظل بين شقي الرحى : اما النزول الى الاعماق حيث ممكن ان اجد ما ابحث عنه بين طيات المجهول؟ او انتظر على حافة البئر حتى تلفظ البئر مجهولها الى ارضي؟
هل علي ان اقرر؟ هل على ان اتخذ القرار؟ هل علي ان لا اهدا ابدا؟ ، قرار بعد قرار..... لا اريد ان اتخذ أي قرار.....لا اريد ان ابحث عن مجهولي الذي اوشكت ان اعرفه.......ساقف على طرف البئر وسانتظر حتى يجف ماؤها ، وعندما يعود اليها الماء ساختار اخرى قد جفت حتى ابقى على حافتها.......